بقايا ثلاثه حضارات حكمت عروس البحر.. معبد السرابيوم
بقلم الباحثة/ تسنيم البيلي
▪يعتبر معبد السرابيوم أحد بقايا ثلاثه حضارات حكمت عروس البحر وهو معبد أثري يوجد في منطقة تل عمود السواري في الحي الخامس للإسكندرية (راقودة)، وكانت تلك المنطقة قبل قدوم الأسكندر وقبل تأسيس الإسكندرية جزءا من قرية راقودة التي كانت النواة التي تأسست عليها مدينة الإسكندرية علي يد الإسكندر الأكبر عام 331ق.م. وقد عرفت هذه المنطقة بعد تأسيس مدينة الإسكندرية بأسم (أكروبوليس المدينة) أو المكان المرتفع الذى تقوم عليه أهم المعابد والمباني الدينية، وذالك علي نمط المدينة اليونانية التي كان الأكروبوليس يمثل أهم جزء حيوي فيها لما يحويه من مباني دينية لآلهة المدينة. ومن أهم المباني فوق أكروبوليس الإسكندرية معبد السرابيوم، أو معبد الإله "سيرابيس"، وهي تلك المنطقة الواقعة اليوم فوق تل باب سدره بين منطقة مدافن المسلمين الحالية والمعروف بأسم "العمود" وهضبة كوم الشقافة الأثرية.وفوق هذا المرتفع الحصين أقيم إلي جانب معبد السرابيوم العظيم معبدا للإله "مثرا" المعروف بأسم "مثريوم"، كما وجد علي التل ضريح ملكي من العصر البطلمي ربما أستخدم كمعبد، هذا بالإضافة إلي الآثار الأخرى. ترجع إلي عصر بطليموس الثالث يورجتيس الأول (246-221 ق.م) وترجع المكتبة الملحقة به إلي العصر البطلمي في القرن الثالث ق.م.أما باقي المعبد فقد أستكمل في العصر الروماني وقد دمر أثناء الثورة التي قام بها يهود الأسكندرية في عهد الإمبراطور "تراجان"(98-117 ق.م). وعلي أطلال المعبد البطلمي أقام الإمبراطور "هادريان"(117-138 م) معبدا آخر تهدم مرة أخري في أثناء الحملة التي قام بها المسيحيون في الإسكندرية بعد الأعتراف الرسمي بالمسيحية في عام 391م في عهد الإمبراطور ثيودسيوس والتي أسفرت عن القضاء علي كل المعابد الوثنية ومنها معبد السرابيوم.
▪من خلال المجموعة الكبيرة من الوثائق التي عثر عليها في معبد السرابيوم نستطيع القول أن هذا المعبد كان بمثابة مركز إداري كبير، وظهر به نوع من التصوف الديني داخل المعبد أطلق علي معتنقيه لفظ(كاتوخوى-ناسك) كذلك وجد به أيضا مجموعة كبيرة لجأت إليه للأحتماء به من ظروف الحياة الصعبة وسكنه أيضا بعض الكهنه، الخدام والمراس.
وتمتع المعبد بأهمية سياحية كمكان للاستشفاء، يتوافد عليه المرضى أو طالبو الشفاء عن طريق الأحلام أو ما يسمي بإحتضان المرض، حيث كان هناك حجرات حول المعبد لسكن هؤلاء المرضى من المتعبدين للإلهة "سرابيس".
▪اكتَشف هذا المعبد "ألان رو" عام 1999/44. وقد تضاربت آراء المؤرخين القدامى حول فترة تشييد هذا المعبد؛ فبعض الآراء تنسبه إلى الإسكندر الأكبر ولكنه أمر مستبعد حيث أن الإسكندر الأكبر لم يمكث في الإسكندرية مدةً كافيةً لإقامة مثل هذا المعبد الضخم، بينما في موضع آخر ينسب المؤرخ القديم"تاكسيوس" تشييد هذا المعبد إلى بطليموس الأول. ولكن ودائع الأساس التي كَشف عنها "ألان رو" في الموقع تحدد فترة بناء المعبد بعصر بطليموس الثالث (يورجتيس الأول). ويبدو أن بطليموس الثالث بدأ تشييد معبد الإله سرابيس، وفي فترة لاحقة شيّد معبد إيزيس؛ وأضاف بطليموس الرابع معبد لحرابوقراط ليستكمل بذلك منشآت عبادة الثالوث السكندري كما هو ثابت في النقوش المسجلة على ودائع الأساس المصنعة من مواد مختلفة كالذهب والفضة والبرونز والطين والزجاج والقيشاني، وعليها سُجّلت باللغة الهيلوغريفية مع ترجمة باليونانية تاريخ بناء كل معبد والملك الذي قام بتشييده. وهي محفوظة الآن في المتحف اليوناني الروماني بالأسكندرية. والجدير بالملاحظة أن ودائع الأساس سمة فرعونية غير متعارف عليها عند اليونانيين. شيد المعبد لعبادة ثالوث الإسكندرية (سرابيس وزوجته إيزيس وابنها حربوقراطيس).
▪كان الجزء الأوسط من المعبد مخصصاً للمعبود سرابيس والغربي للمعبودة إيزيس، بينما خصص الجزء الشمالي للمعبود حربوقراط. اتّخذ المعبد شكل مستطيل. ونظراً لأن المعبد شُيّد في الحي الوطني، فكان لا بدّ من تصميمه على النمط الفرعوني مع إضافة عناصر يونانية كنوعٍ من التوافق بين اليونانيين والمصريين، وهي السياسة التي اتّبعها الإسكندر الأكبر وسار عليها البطالمة من بعده. ونظراً لارتباط آلهة ثالوث الإسكندرية في العبادة بآلهة أخرى، كان لا بد من بناء معابد أو هياكل لها على هذه الساحة المقدسة. فشيّد معبد للمعبود "أنوبيس" وآخر ل"هيرمانوبيس". كذلك وجدت آثار لعبادة تحوت وأيون وغيرهما من الآلهة.
▪على الرغم من أن المعبد لم يبقَ منه سوى أطلال إلا أن كتابات المؤرخين القدامى والتي من أقوالهم "إن السرابيوم يرتفع وسط الهواء بين مجموعة من الابنية ويمتد في كل الاتجاهات متّبعاً شكل مربع ضخم "ولقد حدد "ألان رو" الجزء العلوي بالتل الذي يوجد علية عمود دقلديانوس (عمود السواري). أما الجزء السفلي فيقع أسفل التل حيث الممرات الطويلة والدهاليز التي يمكن الوصول إليها بطريقيين أحداهما مخصص للعربات والأخر للمشاة.
▪يقع المعبد في وسط التل وله مدخل من أربعة أعمدة وسلم كبير من المرمر، شيد على النمط الروماني كما وصفة "أفتونيوس"، ثم صالة مسقوفة يرتفع سقف جزءها الأوسط عن باقي صقف الصالة الذي يتخذ شكل قبة محمولة على صف مزدوج من الأعمدة الرخامية، ثم ساحة مربعة يتوسطها فناء تحيط به أعمدة، وتزين جدرانه كما وصفة أفتونيوس مناظر من الميثولوجيا اليونانية. ويحيط بالمعبد أروقة مزدوجة قائمة على أعمدة تيجانها مصنوعة من البرونز المذهب وسقفها مزخرف بزخارف ذهبية. ووسط هذه الأروقة وجد هيكل سرابيس الذي يتوسطة تمثال الإله في وضع يسمح لأشعة الشمس بالنفاذ عبر نافذه في الجهة الشرقية لتسلط مباشرة على وجهة الإله.
▪هذا المعبد الذي بني من الأحجار وكسي بمادة الرخام الغالية الثمن بالإضافة إلى الزخارف الرائعة من الذهب والفضة والبرونز، كان مفخرة العالم القديم أشاد به المؤرخون القدماء، فيصفه أميانوس ماركلينوس بقوله "يوجد بالإسكندرية عدد كبير من المعابد الجميلة والضخمة ولكن السرابيوم كان أضخمها وأجملها". وكان المعبد مزين بأروقة ضخمة ذات أعمدة وتماثيل تكاد أن تكون حية. ويزخر بالعديد من المنشآت الأخرى والأعمال الزخرفية حتى أنه كان يأتي في المرتبة الثانية بعد "الكابيتول" الذي يرمز لمدينة روما الخالدة ويعتبر أعجوبة من عجائب العام. دُمّر هذا المعبد في عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير (378-395 م) عقب صدور رسوم ميلان التي أمر فيه الإمبراطور بهدم كل الأثار الوثنية ولم يبقَ من هذه المنطقة سوى عمود دقلديانوس الذي كان يرتفع وسط ساحة معبد السرابيوم محاط بأربع مئة عمود أقل حجما وكذلك مجموعة من التماثيل الجميلة.
ليست هناك تعليقات